الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

التظاهرات الاخيرة : تمرين في الديمقراطية ام تمظهر مساءلة ؟ 2009

د. نهى الدرويش
           تعد التظاهرة نشاطا جماعيا واعيا وهادفا وموجها للمطالبة بحق او الاعلان عن رأي في اشكالية ما ، قد تكون اجتماعية او اقتصادية وغالبا ما تكون سياسية ذلك انها الية للضغط على اصحاب القرار للاستجابة للمطلب او الحق الجماعي العام .

        وقد تبنت الفلسفة الديمقراطية هذه الالية من منطلق الحقوق المترتبة على منح التمثيل النيابي وشرعية التعاقد بين المرشح والناخبين ، فالافراد يمتلكون حقين متلازمين يكفلهما اي دستور ديمقراطي وهما :حق الاعلان عن الرأي وما يترتب عليه من حزمة من الحريات مثل حرية التعبير عن الرأي ، وحق الافراد في المجتمع بمساءلة الحكومة بشكل غير مباشر من خلال مساءلة النواب للحكومة ،وبشكل مباشر من خلال مجاميع الضغط في المجتمع المدني وذلك عندما يلاحظ افراد المجتمع تقاعسا او ترهلا في مساءلة النواب للحكومة ،وهنا تكون مهمة المجتمع المدني عسيرة وشاقة وطويلة كلما كان اختيار الممثلين في مجلس النواب اختيارا غير موفقا ونقصد به هنا ان يكون على غير الاسس المنطقية والموضوعية لما يجب ان يتمتع به المرشح او حزبه السياسي من مواصفات نكران الذات والامانة والمصداقية والشفافية والحيادية  .

      وتعد سلسلة التظاهرات الاخيرة مؤشرا مهما لبداية مرحلة نضالية جديدة في المجتمع المدني العراقي لتفعيل دوره في مساءلة الحكومات المتعاقبة مستقبلا ، هذا الدور الذي يكاد يكون ضعيفا منذ عام 2003 ولحد الان ، اذ لا يعقل ان تخرج تظاهرة اثر كل انتهاك يتعرض له افراد المجتمع فالاصح ان يكون التظاهر او الاحتجاج او الاعنصام استثناء والقاعدة هو ان يكون لهذا المجتمع المدني دورا رقابيا ومسائلا للحكومة باستمرار وبحسب ستراتيجيات موضوعة في ضوء اهداف معدة سلفا . وقد يعود ضعف هذا الدور للمجتمع المدني الى جدة التجربة الديمقراطية من ناحية ، والخوف المتفشي من العنف السياسي واثاره من اختلاط الاوراق لاحداث العنف اليومي . الا ان حجم وفداحة الانتهاكات والاضرار الانسانية والمادية التي تضمنتها التفجيرات الاخيرة وما سبقها من احداث ، كل هذا شكل قوة دافعة للمجتمع المدني للقيام بدوره الحقيقي في المساءلة والمراقبة  والمطالبة بتفعيل اليات الشفافية، اذ تشكل هذه التظاهرات رفضا جماعيا واعيا وصريحا مباشرا لعدم الاستسلام للعودة بالوضع الامني لما كان عليه من دموية عام 2006 ، وما المطالبة عن الافصاح عن الجناة الحقيقين واظهار نتائج  التحقيق معهم والمطالبة بالتعويض السريع والعادل للمتضررين الا اعلانا لبدء المطالبة بكل الحقوق المسكوت عنها والمؤجلة .
   ولو دققنا في خارطة التظاهرات المدنية في العراق  لوجدنا انها ترتكز على خمسة مجاميع اساسية تعد العمود الفقري لاي نهضة حضارية تقدمية هم : مجموعة منظمات المجتمع المدني ،ومجموعة الادباء والكتاب ، ومجموعة الفنانين ، ومجموعة الاعلاميين ، ومجموعة الكفاءات العلمية . وقد احسنت صنعا مجموعة منظمات المجتمع المدني باختيارها مكانا وزمانا محددين (كل اربعاء مقابل عمارة رقم 3 التضررة من التفجير ) وياحبذا لو تتفق كل مجموعة للتظاهر في مكان محدد وزمن دوري حتى يؤتي الضغط ثماره المرجوة في الهدف من كل تظاهرة ، ولكي لا يضيع جهد هذه المجاميع هباء لابد ان لاتكون هذه التظاهرات تمرين في الديمقراطية بل تكون بداية تاريخية لتفعيل الديمقراطية في العراق من خلال رسم خارطة لطريق المجتمع المدني تعتمد المساءلة الية لها مع الحكومات القادمة ، لكي لا نقع مرة اخرى في حضيض الطائفية والفساد المالي والاداري والانتهاكات المؤلمة والجسيمة لحقوق الانسان العراقي ،ولا اعتقد ان هذا يأتي دون خطوات هامة وسريعة  اولها : ان تبادر كل مجموعة بتنظيم عملها ورسم اهدافها الخاصة في تفعيل دورها لترسيخ قيم واليات الديمقراطية والعمل بها وعلى رأسها المساءلة والشفافية والحكم الرشيد وتفعيل قيم المواطنة الصالحة في النتاج الفكري والثقافي المجتمعي . اما الخطوة التالية والمهمة والعاجلة فهي : توحيد جهود المجاميع الخمسة لبناء تحالف مدني ثقافي يؤدي دوره في مساءلة الحكومات القادمة ، ولاشك ان هذا التحالف الخماسي سيشكل قوة لا يستهان بها في التاثير الاجرائي ولمعادلة كفة الميزان مع قوة الاحزاب السياسية التي استفحلت بعضها الى حد الاقتتال المقنع بالارهاب . كما ان على هذه المجاميع ان تعي اهمية امتلاكها لدورها الحقيقي كسلطة مساءلة وضغط  وان لا تبقى مكتوفة الايدي كسلطة رابعة معطلة او سلطة خامسة مؤجلة .. الخ  فهذه المجاميع قد تعي او لا تعي وبحسب المنظور الديمقراطي فلسفيا واجرائيا ودستوريا انها تمتلك قوة السلطة الشاملة وما الحكومات الا سلطة اجرائية محدودة ومحددة  .


     لذا على هذه المجاميع ان تبادر الى تفعيل دورها في ضوء هذه الرؤية وان تعكسها في نتاجها الفكري والعملي في كل زمان سواء بشكل فردي او جماعي . ولابد من الانتباه الى ان مرحلة الوعي بالديمقراطية جماهيريا اقتربت من النضج وان مرحلة بناء الديمقراطية الحقيقية ستبدا قريبا لامحالة ، لذا تقع على عاتق كل مؤسسات المحتمع المدني ومجاميعه من مثقفين وادباء واعلاميين وفنانين تولي مهام قيادة نهضة فكرية ديمقراطية للعراق وذلك برسم الاسس الحقيقية لفلسفة ديمقراطية واضحة ومحددة في العراق تنطلق من النهوض بقيم المواطنة الصالحة بدل التخبط في ديمقراطية ذات اطار نظري وفلسفي  مبهم ، فضلا عن اقتراح اليات المساءلة والشفافية والسعي  للتحضير لمرحلة انتقالية شاملة وعادلة في العراق .
     كما لابد لهذه المجاميع من تشكيل فريق تدخل ميداني مدني لتفعيل حقوق الانسان العراقي بدلا من ترك اعضاء هذه المجاميع داخل المجال المغناطيسي للكتل السياسية اللاهثة خلفهم باسم التكنوقراط  لجذبهم الى فاترينات قوائمهم الانتخابية كأحدث الموديلات السياسية .

ليست هناك تعليقات: