الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

المرشح الذي يريده الناخب العراقي

د. نهى الدرويش
      عندما ناقشت مع احد المسؤولين الحكوميين مشروعا وطنيا هاما ومبدعا ، تقدمت به الى مؤسسته بهدف التعاون والتنسيق ، بدا لي ذلك المسؤول متحمسا جدا لفكرة المشروع واهميته الوطنية ، ولم تكن هناك اية عقبات مالية او لوجستية لتنفيذه الا عقبة واحدة تتعلق باستدامة المشروع وضمان استمراريته بعد تشكيل الحكومة الجديدة ، وقد تعمدت ان اشدد على هذه النقطة في النقاش لان مخرجات هذا المشروع بعيدة المدى الى حد ما ، لذا فان ايقاف العمل به او الغائه مستقبلا يعني ضياع الكثير من الجهد والمال فضلا عن اندثار الفكرة المبدعة التي يستند عليها المشروع وبالتالي تفويت اية فرصة اخرى لانعاش هذا المشروع او اعادة العمل به مستقبلا .

       وكان السؤال الذي الذي تشير اجابته الى ضمان استمرارية المشروع واستدامته هو : الى اي مدى يمكن ان تكون الحكومة القادمة مؤمنة باهمية واولوية هذا المشروع الديمقراطي ، وبمعنى اخر اكثر صراحة : هل يمكن ضمان ان تكون الحكومة القادمة ستعتمد تطبيق الديمقراطية على وفق اسسها العلمية العقلانية ام لا . وبما انني لم اجد جوابا ينبؤني به الواقع ومؤشراته الموضوعية ، فقد طويت اوراق مشروعي وادخلتها مرحلة السبات رغم اهميتها الملحة للمجتمع العراقي بانتظار ان يحسم صندوق الاقتراع الاجابة على تساؤلاتي.

      ان هذا المشروع وغيره العشرات من المشاريع المدنية الديمقراطية تعتمد على الضمير السياسي للقوى السياسية المرشحة وعلى الحكومة القادمة، وبالتالي على ضمير الناخب العراقي الذي لابد ان يعرف ان قيم المواطنة الصالحة تستوجب عليه ان يختار من له القدرة الحقيقية – وليست ادعاءات برامج انتخابية لا الزام قانوني بها – على ادارة عجلة التطور والتنمية في العراق واعتماد شعار" البدء من حيث انتهى السابقون " ، ذلك ان البدء من نقطة الصفر سيدخل العراق في حلقة مفرغة من المشاكل التنموية وما يرافقها من الصراعات السياسية ، اذ لابد لاي حكومة قادمة ان تعتمد البناء المستمر المستند على التقويم البنائي وتضع معاييرللبناء والتقويم وهذا بالتأكيد يتطلب اهدافا موضوعة مسبقا لابد ان يشار اليها ضمن البرنامج الانتخابي ، واذا ما دخلنا غمار الاهداف وجدنا حاجة ملحة لايضاح الفلسفة الديمقراطية التي يستند اليها البرنامج الانتخابي لاي كتلة سياسية تتمثل في قائمة مرشحة ، لذا فان على جميع الكتل السياسية ان تعي ان وجود اهداف واضحة ومحددة وقابلة للقياس والتقويم وخاضعة للمساءلة من قبل المجتمع بعموم مؤسساته المدنية ، لابد ان يستند على رؤية فلسفية نظرية تحدد نوع الفلسفة الديمقراطية التي يريدها هؤلاء المرشحون بتحالفهم السياسي لضمان تقدم العراق . وبناء على هذا فان على كل مرشحي اية قائمة ان يقدموا عبر وسائل الاعلام والمطبوعات رؤاهم الفلسفية بمنطلقات نظرية تتسق مع برنامجهم الانتخابي ، والا فكيف يمكن للناخب ان يعطي صوته لمن لا يمتلك مثل هذه الرؤية ولا يستطيع ترجمتها لغويا قولا او كتابة ! فالمرشح الذي يعجز عن ذلك هل يستطيع ان يجسدها تطبيقا وعملا مستقبلا ؟ علما ان فاقد الشئ لا يعطيه !. هنا تكمن اهمية التكنوقراط فهم يخاطبون العقول الناخبة بخطاب عقلاني موضوعي وهو علمي بالتأكيد لانه لا يخرج عن اطار منهج الخطاب العلمي ، وهذاما يميز التكنوقراط عن غيرهم لانهم سيكونون عوامل جاذبة لصوت الناخب الواعي الذي نحن بامس الحاجة اليه لانه سيمنح اضافة شرعية حقيقية لأحقية المرشح ، وليست شرعية وهمية تستند على استمالة الجوانب العاطفية واستنهاض قوى التعصب الشخصي والاجتماعي لدى الناخب ، واستمالته من خلال برامج انتخابية ديمقراطية تشدد على حقوق المرأة فيما يمارس مرشحيها شتى انواع الاستبداد ازاء زوجاتهم وبناتهم واخواتهم ، وتؤكد على حتمية القضاء على الفساد المالي والاداري فيما يتبوأ ذويهم واقربائهم ارفع المناصب الادارية في الدولة ، ويخفون تحت اذرعهم اجندات لمكاسب اقتصادية غير مشروعة .

       ويبدو ان على المرشح الديمقراطي الحقيقي – فردا او كتلة مرشحة – ان  يقدم ضمن برنامجه الانتخابي ايضا تفصيلا لاليات الرقابة والمساءلة التي يقترحها على ناخبيه ليعطي شعورا بالامان والطمأنينة (التي يحتاجها الناخب العراقي في هذه المرحلة ) على نزاهة تطبيق برنامجه الانتخابي ، وهذه واحدة من الضمانات التي يمكن ان يقدمها للناخب ليقنعه بجدية ومصداقية برنامجه الانتخابي واعادة ثقة الناخب بالمرشح السياسي التي بدأت تتخلل العلاقة بينهما وانقاذ الناخب من احباطاته السياسية .

     ان المؤشرات المنطقية المستندة الى واقع الناخب العراقي تشير الى تردده في قبول الاجندات السياسية الجديدة لما يعتريها من غموض وسير نحو المجهول ، انه  ببساطة لا يريد ان يبدأ من نقطة الصفر ، فيما هو يعاني من الاحباط  من الاجندات السياسية السابقة نظرا لما تلقاه منها من صراعات لاجل تحقيق مكاسب سياسية فئوية او شخصية كان يمارس فيها دور المتفرج المهمش بحسرة ، انه ببساطة عض اصبعه التي غمسها بحبر الانتخاب ندما ولا يريد ان يعضها مرة اخرى .

    اليس هذا كافيا ليكون دافعا للقوى والاحزاب السياسية التي تطلق برامجها الوطنية الديمقراطية في ان تتحد في الرؤى والاهداف وترسم للعراق منهجا ديمقراطيا وطنيا يتسق مع مبادئ حقوق الانسان التي ترضي كل ضمير عادل ، بدل انجرارها وراء ارضاءات فئوية محدودة قد تجذب لها في هذه المرحلة اصواتا الا انها اصوات غير واعية ، لا عقلانية ، انها اصوات القطيع التي سرعان ما تفقد ولاءها  عند تغير الشروط الموضوعية الناتجة لها .

ليست هناك تعليقات: