الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

تطور الوعي الانتخابي .... قراءة تحليلية للمشهد السياسي العراقي

د. نهى الدرويش
كثيراً ما تجد من يؤيد الفكرة القائلة بان " التاريخ يعيد نفسه "، او " ان تجارب الشعوب تتشابه الى حد بعيد في خطوطها العامة "، الا ان التاريخ الحديث بما تضمنه من مستجدات ثقافية وفكرية وانطلاقات متسارعة نحو التجدد والتغيير في الاطر السياسية العالمية
بسبب النمو المفاهيمي لجذور الفلسفات السياسية ضمن تطبيقاتها الدولية ، صار يركز  في التحليل النقدي السياسي المعاصر على تناول تجربة كل مجتمع في حد ذاتها بوصفها تجربة فريدة من نوعها لما تحمل من خصوصية واقعية ، وفي تتبع المسار التطوري للديمقراطيات في العالم ، يشكل هذا المنهج خارطة لاجندة تطور الديمقراطية كمفهوم ثقافي - سياسي - عبر حضاري وقرنوجي ( بفتح النون ، ويقصد به قرن اثراخر ) ضمن سياقاته العولمية بعيدة المدى.
لذا فمهما اختار السياسيون من صياغات ديمقراطية نظرية ، ومهما سعوا الى سترجة السياسة المحلية ضمن رؤاهم الواحدية او الحزبية ، فانهم في النهاية سيقفون عاجزين امام ارادة شعوبهم ، بوصف الشعب مانحا او مفوضا للسلطة ، كونه يمتلك مقومات موضوعية تاريخية وثقافية وجغرافية وببلوغرافية بعكس السلطة التي لا تملك الا وجودا موقتا افتراضيا مشروطا بصوت الناخب ، وعلى الرغم من سعي الاحزاب السياسية الى الاستحواذ على وسائل الاعلام والمؤسسات المدنية تارة بالسيطرة الاقتصادية واحتكار رؤوس اموالها وتحويلها الى وسائل انتاج داعمة لها  ، وتارة بالتضييق على حرياتها  وتحجيم حقوقها  ، وتارة اخرى بالاغواء والاستمالة ضمن لعبة التسلط المقنعة ،وتوجيه المسار السياسي الدولي نحو اجندات قرنولوجية معتقدين انها لعبة شطارة وذكاء سياسي ، الا ان هذا يعطي مؤشرا هاما في ان السياسات التطبيقية في كثير من الدول السائرة نحو الديمقراطية تتجه نحو ديكترة السلطة السياسية محليا ، فيما تسعى مجتمعاتها باستمرار الى تطوير اليات جديدة لتفعيل دورها الديمقراطي في التعاطي السياسي ضمن ادارة شؤونها المحلية ، وهذا ما يدعونا للقول بان لكل مجتمع من هذه  المجتمعات نكهته الديمقراطية الخاصة به ، والتي هي ليست بمعزل عن نكهات المجتمعات الاخرى ، فتوافر وسائل الاتصال الشبكية ( الانترنت ) وتواصل عمل المنظمات المدنية الدولية واعتماد اليات التشبيك المحلي والدولي للمناصرة والضغط على الساسة ستبقى عوامل فعالة في اسناد نضال المجتمعات من اجل  تفعيل الخيار الديمقراطي لتحسين اوضاعها .
ان العلاقة الجدلية بين الناخب والمرشح بتوسط المؤسسات المساندة لتفعيل الديمقراطية ( وسائل الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني ) لابد ان تبقى قائمة في اي مجتمع ذي توجه ديمقراطي ، فاذا خرجت هذه العلاقة من جدليتها النقدية نحو اطر دوغماتية فقد ذلك المجتمع سمته الديمقراطية ، ذلك ان الديمقراطية ليست هدفا بل منهجا ثقافيا عقلانيا يستند على حق التعبير الحر عن الرأي ، وهذه الحرية المنطقية هي جوهر التحليل النقدي الذي تقع في قمة هرمه عملية التقويم فكرا وسلوكا سواء كان فرديا ام جمعيا مجتمعيا ، ولايستقيم هذا التقويم الا بوجود متسع من الحريات السياسية مقترنة باحترام هذه الحريات من قبل السلطة ، وبين ما يجب ان يكون وما هو كائن تقع منطقة توصيف المجتمع بانه ديمقراطي ام غير ديمقراطي.
فالاحزاب السياسية التي تعول على ضعف وعي الناخب لتمرير اجنداتها السياسية الخاصة او تحقيق مصالح نخبها السياسية ، هي احزاب مقنعة تراهن رهانات لا منطقية ، اذ على الرغم من الاعتراف نظريا ان توسعة وعي الناخب  باهمية صوته الانتخابي وسلامة اختياره التمثيلي النيابي ، الذي يحتاج الى جهد منظم وشفاف طويل الامد ، الا ان ضعف  هذا الوعي نتيجة حداثة التجربة الديمقراطية ، او تغليفه بعلب الديمقراطية الورقية الملونة ، او اخضاعه لمؤثرات دينوقراطية وهمية ، بات فكرة ساذجة ، فالناخب الذي اكتوى بجمر التهميش وتجاهل ابسط حقوقه المدنية يرفض ان يكرس دوره السابق في كونه اداة بيد السياسي للوصول الى صنع القرار الذي لا يصب في بحيرة مطاليبه واحتياجاته الاساسية ، تلك البحيرة التي تعاني من تصحر قاعها منذ الوعد الاول باقامة دولة ديمقراطية ، وتجسيدها في دستور يعبر عن ارضاءات سياسية ويضمن للنخب السياسية حقها في تفويض الشعب دون قيد او شرط ، ويغفل ان لم نقل يسلب حق الشعب في اقالة مفوضيه ، فقد اصبح (امرهم شورى بينهم) اذ تم تفسير (بينهم) انها فيما بين المفوضين  وليس بين المفوضين والشعب من خلال مؤسساته المدنية والاعلامية ومراكز البحوث المسحية. ولكي لا ننكرعلى التاريخ حق التدوين الحدثي المحلي ، لابد لنا من الاعتراف التحليلي باهمية دور المجتمع المحلي في تطوير الياته لتفعيل الديمقراطية ذات الخصوصية المحلية ، ولكي نسقط " الفتش السياسي " المتمثل بالاحزاب السياسية الاستحواذية في كونه المطور للديمقر اطية ، لابد لنا من وقفة امام ارتفاع الاصوات ضمن تجمعات او تظاهرات للمطالبة بحقوق مدنية ، والتلويح بعصا الحق السياسي في الانتخاب للضغط من اجل مطالب خدمية او اقتصادية ، ان هذه المحاولات رغم انها لم تجد صدى ايجابيا بين الاوساط السياسية المحلية بشكل عام ، الا انها كانت وما زالت رياحا هادئة سلمية دفعت زورق الرأي العام المحلي الى سواحل الارض الحقيقية لديمقراطية يبنيها المجتمع وليس الساسة ، حتى ان البعض عبر عنها بالازمة او الفجوة بين الناخب والمرشح ، الا ان تحليل الواقع يشير الى انه مستوى عفوي تلقائي من الوعي الانتخابي ، فالصراع ما بين مؤيدي القائمة الانتخابية المغلقة ومؤيدي القائمة الاتنخابية المفتوحة سحب وعي الناخب الى اهمية مسك (الريمونت كونترول) بيده بدلا مما هو بيد المرشح ، بوصف هذه القائمة مخصصة للناخب وليس للمرشح ، ورغم هذا لا احد استطلع رأي الناخب ، وبقي المطبخ الانتخابي بيد " شيفات "  الساسة وما على الناخب الا ان يدفع ثمن الوجبة ويأكل مرارتها ، بمعنى اخر لابد للناخب ان يتحكم في استمرار المرشح وليس العكس ، فالاصوات التي منحت حق التفويض في التمثيل النيابي لابد لها ان تمتلك الحق باقالة العضو المرشح في حال اجمعت نسبة معينة من ناخبي  الدائرة االانتخابية على ان المرشح لم يلتزم ببرنامجه الانتخابي والذي بموجبه صدرت قناعة الناخب باختياره ممثلاً اومفوضاً عنه ، وهذا الحق الديمقراطي لابد ان يضمنه الدستور وبخلافه سيبقى دور الناخب محصوراً في تأشيرة بضع مليمترات من ورقة الاقتراع  ، ولن يجدي بعد ذلك لا اعتصام ولا تظاهرة ولا صراخ وسائل الاعلام ولا ضغط  منظمات المجتمع المدني ، وسيعيد التاريخ نفسه اربع سنوات اخرى .
ولكي لا نكرس مقولة " ان التاريخ يعيد نفسه" لابد من مسك زمام التحكم بيد الناخب ، ومنحه ضمانات جديدة بالمساءلة والمراقبة  ليطمئن من عدم عزله عن القرار السياسي ،  وهذا لن يكون الا باجراءات منظمة تبدأ بالاحصاء السكاني وتعدد الدوائر الانتخابية ثم اعتماد القائمة المفتوحة واحتساب نسبة التمثيل الحقيقي للمرشح النيابي ، ثم احتساب النسبة التي بموجبها يحق للناخبين اقالة مرشحهم ضمن دائرتهم الانتخابية في حال عدم وفائه بتنفيذ وعوده التي طرحها ضمن برنامجه الانتخابي او انحرافه  نحو خط الفساد المالي والسياسي.
وعلى الرغم من ان الدستور السويسري ضمن هذا الحق  الديمقراطي للناخب فضلاً عن دساتير ديمقراطية اخرى ضامنة لهذا الحق بشكل او باخر الا اننا لابد ان نضع في حسباننا انه ليس بالضرورة ان تتشابه تجربتنا الديمقراطية مع تجارب مجتمعات اخرى الى حد التماثل ولكن مع وجود احتمالية الاتساق والتشابه في الخطوط العامة ، لابد ان تبقى لنا احقية تفردنا في تجربتنا الديمقراطية ، وهذه واحدة من مسلمات السيادة الوطنية (لو كان قومي يعلمون(




http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=91422

ليست هناك تعليقات: